|
تمهيد الكاتب
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى
عَبْدِهِ الْكِتَـبَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}
(آية
1 من سورة الكهف)،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أحمده تعالى الذي به
وحده أستعين، وعليه أتوكل، وهو رب العرش العظيم..
أحمده تعالى الذي مد في
عمري وأعانني على إنجاز هذا الكتاب مع غيره من الكتب..
أحمده تعالى وأرجوه وألح في الرجاء أن يمكنني من نشره باللغة
العربية أولا ثم بالإنجليزية، إنه سميع
قريب مجيب.
وبعد،
فقد قضيت من عمري قرابة
الخمسين سنة الماضية أعيش مع كتب العلوم الشرعية، ومجالسها،
وحلقاتها دون أن أترك عتباً لنوع منها من تفسير وحديث وفقه وأصول
فقه وفكر ولغة، جنباً إلى جنب مع البحوث النفسية والاجتماعية
والتربوية.. ولكن مع الحرص على أنها ليست علوماً نظرية مجردة بل
للحياة وشئونها.
وقد رأيت هذا الجهد
الصادق الذي رفد المكتبة الإسلامية بزخم مبارك من المؤلفات في
مختلف المجالات الشرعية التي تركز على الجوانب العلمية بخاصة
وبحياء على التطبيقية بعامة.
وقد علمت مبكراً أن
القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدرا التشريع الإسلامي، وأن
أدلة هذا التشريع التفصيلية هي القرآن والسنة، وإجماع الصحابة فقط
وليس أي إجماع آخر، والقياس الشرعي لا العقلي.
وقد أدركت يقيناً من
خلال مدارسة السيرة النبوية في ضوء النصوص القرآنية والنبوية بأن
إعادة التشريع الإسلامي للحياة واجب شرعي وفرض كفاية إذا استطاع
ذلك القائمون عليه، وفرض عين إذا عجزوا عن ذلك.
وقد لمست أن القيام بهذا الفرض
والواجب، كما تنقصه الأيدي المخلصة الواعية القادرة على ذلك من
الناحية العملية ينقصه المزيد من التيسير والتوضيح لتفسير القرآن
الكريم الموجود في بيت كل مسلم بشكل يُسهل الكشف عن النواحي
الفكرية والعملية لسوره وآياته بحيث يدفع المسلمين للتحول الصادق
من استخدامه للتبرك والوعظ والتلاوة في المناسبات والحفلات إلى
العيش على أحكامه في حياتهم المجتمعية لا الفردية فقط، مستعينين في
ذلك بالسيرة النبوية التي تضبط حمل الدعوة الإسلامية، فكرياً
وعملياً، وتنقذ العاملين في هذا المجال من الانحراف عن طريقة
الرسول عليه وآله الصلاة والسلام الواجبة الاتباع، كيف لا والله
تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وذكر
الله كثيراً}(آية
21 من سورة الأحزاب).
وقد ظهر لي أن بهذا
التوضيح والضبط يزداد حامل الدعوة الإسلامية نوراً وضياء في
المجالين الفكري والعملي، ولكنه يبقى بحاجة لهذه «الدعوة والبيان»
الذي لا يكتفي بالوقوف الفكري النظري مع كتاب اللّه تعالى بل
يتعداه إلى العملي ولاسيما في مجال العقائد والأحكام معاً، ويربطه
بشحذ الهمم للعمل مع العلم وليس لمجرد العلم فقط.
وهكذا فقد جاء هذا
«التمهيد» بداية لـِ «تقديم الكتاب» التالي الذي قدم التقديم
اللاّزم، وبالإيجاز المناسب، المفاهيم العملية للعقائد والأحكام
الإسلامية.
وأما منهج العمل في هذه
«الدعوة والبيان» فقد جاء كما يلي:
1-
لقد حصرت جهدي إلى حد بعيد لإنجاز هذا الكتاب في تفسير الجامع
لأحكام القرآن للإمام أبي عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي
- الطبعة الثالثة الصادرة عن دار الكتاب العربي للطباعة والنشر
بالقاهرة عام 1387
هـ - 1967م،
وتصحيح الشيخ أحمد عبد العليم البردوني، والذي جاء في عشرة مجلدات،
وزعت أجزاء القرآن الثلاثين على عشرين جزءاً وبواقع جزئين في كل
مجلد، ولكنني لم أتقيد في هذا الكتاب بهذا التوزيع، كما لم أتقيد
بالإثني عشر مجلداً التي جاءت من الإمام القرطبي، وإنما جعلته
أربعة أجزاء تشمل مختصر تفسير الأجزاء القرآنية الثلاثين.
2-
لقد سرت في العمل كما يلي: قرأت (الجامع) أربع مرات: في الأولى
بمجلداته العشرة جميعاً، ونقلت بهذه القراءة كل ما لفت نظري من
معاني كل آية، وكل سورة إلىكراسات عدة، وفي الثانية لكل مجلد على
نصفين، وأشّرت فيها بقلم رصاص على الكثير من المعاني والنصوص
بالإضافة لما نقل في الأولى، وفي الثالثة لكل نصف مجلد أيضاً
كالثانية، ونقلت فيها كل تلك المعاني لتشكل «التقديم» لكل سورة،
وفي الرابعة لكل سورة كاملة، ونقلت فيها كل مجموعة مترابطة من
الآيات أولاً ثم «التفسير» لهذه المجموعة.
وقد راعيت في كتابة
الشكل النهائي لهذا الكتاب ما يلي:
1)
كتابة كل مجموعة من الآيات المترابطة حول موضوع واحد أو مجال واحد،
وإلحاقها بتفسيرها، وتقديمها بعبارة تشير لموضوعها.
2)
جاءت مجموعات الآيات لكل سورة تحت عنوان «التفسير» بينما جاء تقديم
السورة تحت عنوان «التقديم».
3)
يشتمل هذا (التقديم) على جميع الموضوعات والأمور في السورة دون ذكر
نصوص إلا نادراً، وأما ذاك (التفسير) فيشمل شيئاً من النصوص التي
توضح التفسير الموجز لمجموعات الآيات كل مجموعة حسب موضوعها.
4)
اعتمدت ما رجحه الإمام القرطبي من أحكام تستنبط من كل آية من
الآيات كمجتهد على المذهب المالكي، هذا في الأعم الأغلب، ولا سيما
عندما يكون استناده إلى إجماع الصحابة ودون وجود أي دليل مرجح من
الكتاب أو السنة.
5)
لم أتقيد بفهم الحركات الإسلامية القديمة، ولا بفهم الإمام
القرطبي، في مجال العقائد الإسلامية من حيث مفهوم القضاء والقدر
وما يتصل به من مفاهيم علم اللّه المطلق ومشيئته تعالى وإذنه
وإرادته، وليس من حيث عناصر الإيمان، واستندتُ في ذلك فقط إلى
النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة من الكتاب والسنة، وهذا في
مجال النقل وأما في مجال العقل فقد استندتُ على الدليل المحسوس
الملموس فقط.
6)
طرحتُ جانباً جميع الإسرائيليات المتسربة في الروايات سواء في
الحديث أو التفسير بكل ما استطعت، وطرحتُ جانباً التفسيرات العلمية
المتأثرة بعلوم العهود السابقة، وتجنبتُ كل التفسيرات هذه إلا ما
ندر، لأن القرآن كتاب هداية وتشريع لا كتاب علوم، ولأن إشاراته إلى
المظاهر الكونية ليس بأكثر من دلالات على قدرة اللّه تعالى وعظمته
ووحدانيته وإن كان في ذلك المزيد من إعجاز الرسالة الإسلامية إلى
جميع البشرية وعلى مدى الزمان والمكان.
7)
لقد اقتصرت في التركيز على توضيح آيات العقائد والأحكام وعدم
الوقوف عند اللغة والقراءات السبعة للقرآن الكريم إلا ما ندر وذلك
لأن الهدف من هذا الكتاب هو عدم إشغال ذهن القارئ الكريم بغير
التفكير فيما يطرح عليه من أفكار ومفاهيم ليعمل على تحقيقها في
واقع حياته الفردية والمجتمعيّة، وإلا فالكتب في المجالات العلمية
والتعليمية واللغوية تشتكي منها رفوف المكتبات الخاصة والعامة على
حد سواء.
8)
لقد حرصت على الجمع بين استثارة التدبر والتفكير في مجالات العقيدة
وبين استثارة المشاعر والعواطف الإسلامية في مجالاتها ومجالات
الأحكام العملية وذلك بقصد تحقيق بناء الشخصية الإسلاميّة بعنصريها
الأساسيين العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية وفي نفس الوقت
بقصد الدعوة للحرص على التزام الأحكام في الحياة الفردية
والمجتمعية..
9)
لقد تعمدت ذكر الناسخ والمنسوخ من الأحكام حيث يلزم وذلك لأهمية
هذا الأمر في الالتزام والتطبيق الفردي والجماعي.
10)
لقد وقفت ملياً عند التنبيه على الفرق الحاسم بين الوحي المنزل في
العهد المكّي وذاك في العهد المدني لما لذلك من أهمية شرعية قصوى
في مجال حمل الدعوة الإسلامية الذي تتصدى له العديد من الحركات
الإسلامية في الحاضر وفي كل وقت.
11)
لقد اضطررت لإدخال الجهد الشخصي أحياناً في طباعة الحاسوب
(الكمبيوتر) لهذا المجهود وذلك بقصد إتقان الرسم القرآني بالشكل
العثماني المعروف، مما استدعى المزيد من الاجتهاد واستعمال عدة
برامج مستعيناً بالله تعالى ثم من خلال أكثر من خبير من خبراء
الطباعة بالحاسوب الذين أدعو لهم بخير الجزاء على تعاونهم الكبير
في هذا المجال وفي إخراج وطباعة هذا المجهود ككل مما أرجو معه منه
تعالى تحقيق خدمة كتابه الكريم بالشكل السليم.
12)
ولكنني بالرغم من كل هذا الجهد الحريص على الإتقان أرجو من المولى
سبحانه أولاً ثم من إخوتي المسلمين من علماء ومتعلمين أن أجد عذراً
لأي خطأ أو تقصير لم يمكن تلافيه بسبب محدودية جهدي البشري،
وسأبقى شاكراً بل مديناً لكل من يدلني على الخطأ أو يرشدني إلى
الصواب في أي جانب من هذا الكتاب.
13)
لقد اعتمدت في الرسم القرآني وما يقتضيه من قواعد الضبط والوقف
اللازمة لسلامة التلاوة والفهم لكتاب الله تعالى على عون الله
تعالى أولاً ومن ثم على مرجع أساسي هو مصحف المدينة المنورة الذي
يصدره مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الذي أرجو للقائمين
عليه خير الجزاء لهذا الجهد الطيب.
وأختم هذا التمهيد
بالصلاة والسلام على سيدي ومولاي محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.. راجياً من إخوتي المسلمين ذكر هذا الكتاب
كمرجع لكل من ينقل عنه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الجزء
الأول
الجزء
الثاني
الجزء
الثالث الجزء
الرابع
| 
التقديم
